الشغل

  • الشغل ( من وجهة نظر كارل ماركس ) فعل يتم بين الإنسان والطبيعة ، يشكل الإنسان من خلاله قوة طبيعية ( تتمثل في أعضاء الجسم ) مؤثرة في الطبيعة وعليها ، وهو من خلال تأثيره في الطبيعة وتغييرها لإشباع حاجاته الخاصة، يغير ذاته وينمي ملكاتها وقواها.
  • وإذا كان الحيوان يمارس أعمالا قد تضاهي أعمال الإنسان ، فإن الفارق الأساسي بين الشغل الإنساني والشغل الحيواني هو أن هذا الأخير غريزي لا أثر فيه للوعي ، في حين أن الأول قائم على الوعي والتفكير والتخطيط المسبق.

ويمكن تقسيم مسار الشغل الإنساني إلى ثلاثة مكونات أساسية :

  • الشغل الإنساني ( الإنسان ذاته ) ؛
  • الموضوع الذي ينصب عليه الشغل ويشكل موضوعه؛
  • الأداة أو الأدوات المستخدمة في الشغل.

إن الشغل أو العمل منتج للقيم ، وقيمة المنتجات إنما تتحدد بقيمة العمل والجهد المبذول في إنجازها.

ومن وجهة نظر هيجل ، فإن الشغل وساطة تتم بين الإنسان والطبيعة ، وساطة متخصصة يستخدمها الإنسان للتأثير في الطبيعة وتحويلها إلى منتجات استهلاكية ، وبذلك يكتسب قيمته وأهميته ، كما أن هذه الوساطة تمكن الإنسان من اكتساب نوعين من الثقافة :

–          ثقافة نظرية : تتمثل في التمثلات والمعارف المكتسبة انطلاقا من مجال الشغل ، والتي تؤدي حركيتها وسرعتها وترابطها إلى إدراك العلاقات المعقدة والكلية.

–          ثقافة عملية : تتمثل في عادات المهنة عموما التي يؤدي التمرس بها إلى التعود على النشاط الموضوعي واكتساب خصال كلية تتمثل أساسا في تجريد الشغل مما يؤدي إلى التخصص وتقسيم العمل الذي ينعكس بدوره على المهارة حيث تزداد ، وعلى كمية المنتوج أيضا . ومن هنا يساهم كل فرد بثقافته في الثروة الكلية للمجتمع ويشبع حاجات الآخرين في الوقت الذي ينتج فيه لإشباع حاجاته الخاصة.

–          إلا أن الشغل يقتضي مجموعة من الحركات المنضبطة والمعقلنة والمغايرة للحركات المنفلتة من عقالها ، يقتضي حركات يكون فيها حساب الجهد ثابتا بالنسبة لمستوى الإنتاجية، ومن ثمة كان الشغل مجموعة موانع كابحة وقامعة لحرية الإنسان.

الشغل=آلة التعذيب

الشغل=آلة التعذيب

 

علاقة الشغل بالملكية

إذا كان الشغل ظاهرة إنسانية بامتياز لارتباطه بالفكر الإنساني وتميزه عن العمل الحيواني ، وإذا كان تقسيم الشغل سواء بمعناه التقليدي أو الآلي ضروريا من أجل الزيادة في الإنتاج وإشباع الحاجات الإنسانية المختلفة والمتنامية باستمرار ، فإن الشغل الإنساني لا يتم إلا في إطار علاقات إنتاج محددة تميز بين المالكين وغير المالكين لوسائل الإنتاج ، لذلك فإن الإشكال المطروح بهذا الخصوص هو كالتالي :

كيف نشأت الملكية ؟ .. وما هو أساسها ؟ .. و ما قيمتها ؟ .. وما علاقتها بالشغل ؟ .. هل يمكن اعتبارها منتجة لوحدها ؟ .. ومتى ، وفي ظل أية شروط ، يمكن اعتبارها منتجة ؟ ..

1)    إن أول من سيج أرضا وصاح قائلا : ” هذا لي ” ، ووجد أناسا سذجا صدقوه وصادقوا على كلامه ،

ج.ج.روسو

ج.ج.روسو

 كان هو أول مؤسس حقيقي للمجتمع المدني القائم على سلطة القوانين والمؤسسات والمتجاوز للمجتمعات الطبيعية الأولى ، أو حالة الطبيعة ، التي كانت الأرض وخيراتها فيها ملكا للجميع من وجهة نظر جان جاك روسو . ولما كان الحفاظ على الملكية من جهة ، والرغبة في التملك من جهة أخرى ، تدفع الناس إلى التقاتل والصراع فيما بينهم ، فإن أساس الملكية وسبب ظهورها الأول هو السرقة والعنف ، وليس المجتمع المدني إلا حيلة اصطنعها الأغنياء للحفاظ على ممتلكاتهم وتأبيدها ، وإخضاع الجنس البشري للعمل والعبودية لمصلحة هؤلاء الأغنياء ، بدعوى أن هذا المجتمع من شأنه تأمين حرية الأفراد وضمان ممتلكاتهم.

2)     بخلاف ذلك يرى فريدريك إنجلز ـ كممثل للفلسفة الماركسية ـ أن الملكية ظهرت من القديم في المجتمع

فريديريك إنجلز

فريديريك إنجلز

المشاعي ، ولكنها اقتصرت على بعض الأشياء البسيطة ، وتطورت داخل هذا المجتمع نتيجة التبادل مع الآخرين إلى أن أخذت شكل بضاعة ، حيث كلما قل إنتاج جماعة من أجل الاستهلاك الخاص ، وازداد إنتاجها الموجه للتبادل ، كلما أدى ذلك إلى مزيد من تقسيم العمل وتفاوت الناس من حيث الغنى ، وانحلت بذلك المشاعية القديمة لتحل محلها الملكية الخاصة.

إن الأسباب الاقتصادية إذن ، والمتمثلة في تغير علاقات الإنتاج والتبادل ، هي التي أدت إلى ظهور الملكية الخاصة ، و لا يمكن أن يعزى ظهورها لأسباب أخرى كالسرقة والعنف كما هو الشأن لدى روسو.

3)     إن الملكية وحدها عقيمة وغير منتجة ، ولكي تغدو كذلك لا بد من توفير ثلاثة شروط أساسية هي : الأرض المنتجة ـ العمل المنتج ـ والرساميل والأدوات المنتجة. إن الإنتاج هو ثمرة هذه العناصر الثلاث الضرورية مجتمعة ، ولو انفصلت عن بعضها فستكون عقيمة ؛ فالأرض لوحدها بدون تدخل الإنسان الذي يحول أشياء الطبيعة، بفضل عمله وجهده، إلى بضاعة قابلة للاستهلاك والتبادل ، تعتبر غير منتجة . والأدوات والرساميل هي بدورها غير منتجة بدون تدخل المجهود الإنساني وبدون موضوع منتج ينصب عليه العمل الإنساني.

4)     وإذا كان جورج فريدمان ـ من منظور اقتصادي ليبرالي يستند إلى مرجعية قانونية رومانية ـ يرى أن

جورج فريدمان

جورج فريدمان

مقتضيات العقل والعدالة تقتضي أن تكون الملكية فردية ، لصاحبها الحق المقدس في التصرف فيها إيجابيا أو سلبيا ، مدعما وجهة نظره بمعطيات التجربة الحياتية التي تؤكد أن الملكية لا تكون أكثر خصوبة وإنتاجا إلا عندما يكون المالك أكثر حرية في الانتفاع بها حسب رغبته ومشيئته ، فإن فريدريك إنجلز، يرى على العكس من ذلك، أنه إذا كان التبادل قد تم ـ في بداية النظام الليبرالي ـ بين قيم متساوية ، فإن تطور الإنتاج ، في ظل نظام الإنتاج الرأسمالي ، لم يؤد إلا إلى احتكار وسائل الإنتاج والعيش من طرف طبقة واحدة وقليلة العدد مع تدهور الطبقة الأخرى التي تشكل الأغلبية الساحقة إلى مستوى بروليتاريين غير مالكين ، إضافة إلى الأزمات والفوضى في الإنتاج التي هي ناتجة بالأساس عن نمط الإنتاج الرأسمالي.إن الطبيعة الاجتماعية للإنتاج تفترض بالأساس الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، وهو الحل الذي يبشر به النظام الاقتصادي الاشتراكي.

5)     إن الملكية في الإسلام ، بخلاف الأطروحتين السابقتين ، مسؤولية ؛ إنها جملة من الواجبات والمسؤوليات ، وهي ليست حقا مطلقا لاستعمال الأشياء ؛ فالمالك مسؤول عن ملكيته ، ومطالب بتنميتها وتطويرها بما يخدم مصلحته ومصلحة المجتمع وفق المقتضيات الشرعية التي تحرم الربا والاحتكار والسرقة والتحايل ، تحت طائلة نزع الملكية أو فقدانها إذا ما أهملها صاحبها أو لم يستثمرها بالشكل الذي يخدم مصلحة الأمة جمعاء.

الشغل ـ الاستلاب ـ التحرر

كارل ماركس

كارل ماركس

إن الشغل ظاهرة تتم بين الإنسان والطبيعة ، ولكنها لا تتم إلا بدخول الناس فيما بينهم في علاقات تسمى ” علاقات الإنتاج ” ؛ تحدد المالك لوسائل الإنتاج من غيره ، وتحقق نوعا معينا من الملكية. كما أن الشغل يفترض تقسيما معينا للعمل ، سواء في شكله التقليدي أو شكله الآلي والتقني المعاصر ، مما يسم الشغل الإنساني ببعدين أساسيين هما : البعد الإنساني المتمثل في علاقات الإنتاج والملكية ، والبعد التقني الآلي ـ في عصرنا ـ وما يطرحه من مشاكل تنعكس على الإنسان. لذلك فالإشكال الذي يطرح بهذا الخصوص يتمثل في التساؤلات التالية :

 

–         هل يحقق الشغل ماهية الإنسان وحريته ؟

–         أم على العكس من ذلك هو قتل للرغبة والحرية ونفي للذات الإنسانية ؟..

–         وما هي الشروط الإنسانية والموضوعية التي بإمكانها أن تجل من الشغل عاملا لتحرر الإنسان واكتمال شخصيته وتفتحها ؟ ..

1)     بخصوص هذا الإشكال تتعدد الأطروحات والإجابات وتختلف نوعيا عن بعضها انطلاقا من المرجعية التي تنطلق منها ؛ فهذا جورج فريدمان ينتهي ، انطلاقا من نظرة فاحصة ومميزة للجوانب السلبية والإيجابية للتقدم التقني المعاصر في الصناعة وعلاقة الإنسان به ، إلى التضحية بالإنسان المنتج لصالح الإنسان المستهلك ؛ فإذا كان الشغل في ظل النظام الآلي المعاصر مهمة قاسية وغريبة عن اهتمامات الإنسان ، فإنه ضروري لتحقيق حاجاته الاستهلاكية المتزايدة والمتنامية باستمرار ، ومن شأن تنظيم المجتمع وهيكلته بشكل جيد أن يضمن استفادة جميع أفراده من نتائج التقدم التقني ، كما أن من شأن أوقات الفراغ أن تمكن الإنسان من الاستمتاع بالثقافة والفن ، لما فيه إمكانية تفتح شخصية الإنسان وتحقيقها.

صحيح أن التقنية حررت العامل من كثير من المهام الصعبة والشاقة ، بحيث لم يعد مستعبدا من طرف الآلة ، ولكن هذا الاستعباد حل محله الاستعباد الذهني للعامل الناشئ عن التمييز المفرط بين النظرية والممارسة ، بين العمل الذهني والعمل اليدوي ، مما أبعد العامل عن كل تفكير ذهني ، وبالخصوص في المجتمعات القائمة على نظام يتوخى الربح أساسا ، وهو ما يهدد التوازن النفسي للإنسان ومصيره الروحي .إلا أن مفاضلة سريعة بين نظام الإنتاج الآلي وانعكاساتها على الإنسان باعتباره مستهلكا من جهة ، وباعتباره منتجا من جهة أخرى ، تدفعنا حتما إلى التضحية بالإنسان المنتج لصالح ولفائدة الإنسان المستهلك.

2)     إن الإغراق في الشغل ـ من وجهة نظر نيتشه ـ والسرعة في إنجازه جريا وراء الربح والفوز هو سمة

ف. نيتشه

ف. نيتشه

الإنسان في المجتمعات المعاصرة ، وهي سمة تؤدي بالإنسان إلى استنفاذ كل طاقاته الذهنية وحرمانه من ممارسة التأمل والاحتكاك بالفنون ، بل إن هذا الوضع أفرز قيما جديدة تقوم على احتقار الراحة والتأمل والاشتغال بالفن ، على عكس ما كان سائدا في الماضي ، وفي ذلك ما فيه من إهدار لكرامة الإنسان لا يتيح لشخصيته التفتح ولا النمو و لا الحرية . إن الشغل إذن بشكله الحالي في المجتمعات الليبرالية هو قتل وقضاء مبرم على الرغبة والحرية الإنسانيين.

3)     إن مملكة الحرية إذن ـ من وجهة نظر كارل ماركس ـ لا تبدأ في الواقع إلا حينما ينتهي الشغل الذي تفرضه الحاجة والضرورة الخارجية ، إنها توجد إذن خارج دائرة العمل، لكن هذا لا يعفي الإنسان من مواجهة هذه الضرورة لإرضاء وإشباع حاجاته والمحافظة على حياته ، تلك الحاجات التي تتنامى وتتنوع مما يزيد من اتساع دائرة مملكة الضرورة.

كارل ماركس

كارل ماركس

إن ” الحرية وعي للضرورة ” ، وهي لا تزدهر إلا استنادا إلى مملكة الضرورة ووعيها ، وتنظيم قوى الإنسان عقلانيا للسيطرة عليها دون الاستسلام لها بأقل الجهود الممكنة ، وذلك بتوفير الظروف ـ على مستوى علاقات الإنتاج وعلى مستوى الشغل ذاته ـ التي هي أكثر تلاؤما مع الكرامة والطبيعة الإنسانيين ، تلك الظروف التي على رأسها تحويل الملكية من ملكية فردية إلى ملكية جماعية ، وكذا امتلاك الوسائل العلمية والتكنولوجية التي تضمن ازدهار القوة الإنسانية التي تشكل غاية في ذاتها.

4)     ومن منظور إسلامي لا يرى محمد باقر الصدر في العمل وسيلة لقتل الرغبة أو

محمد باقر الصدر

محمد باقر الصدر

القضاء على الحرية الإنسانية ، وإنما يرى فيه وسيلة لتأكيد الإنسان لذاته وتطويرها تحقيقا لمهمة الارتقاء الإنساني التي تتحقق من خلال قيم مادية وقيم روحية يؤدي بعضها إلى البعض الآخر ، ويشكل العمل الإنساني وسيلتها.

إن العمل ، وخصوصا العمل الصالح ، يؤدي إلى إثراء الشخصية الإنسانية ونموها ماديا وروحيا ، وقد أعطى الله ذاته المثال بخلق السماوات والأرض عندما خلقهما بتدرج ، ولم يستعمل قدرته لخلقهما دفعة واحدة ، وذلك حتى يعلم البشر أن العمل يتطلب التدرج والجهد والذأب . كما أن إصرار القرآن على أن كل الرسل كانوا يعملون هو تأكيد على منزلة العمل الإنساني في إثراء الشخصية باعتباره وسيلة السمو الروحي من خلال العمل الجسدي.  

1 responses to “الشغل

  1. hadchiiiii la 3ala9a wach ntoma hm9innnnnnn

أضف تعليقك هنا