Tag Archives: الاقتصاد الجديد

الاقتصاد الجديد

بقلم : إغناسيو راموني

لوموند ديبلوماتيك ، عدد أبريل 2000.

إننا نعرف قولة كارل ماركس : أعطني الطاحونة ، وسأعطيك العصر الوسيط وبإمكاننا أن نضيف لتلك القولة العبارة التالية : أعطني الآلة البخارية ، وساعطيك العصر الصناعي ، أو إذا ما طبقنا هذه العبارة على لحظتنا الراهنة ، فإننا سنقول : أعطني الحاسوب ، وسأعطيك العولمة .


وحتى إذا كانت هذه التحديدات مبالغا فيها ، فهي تلخص بشكل مضبوط الفكرة المركزية : ففي لحظات تلاق في التاريخ فإن ابتكارا أو اختراعا هائلا ـ غير ناجم أبدا عن الصدفة ـ يربك نظام الأشياء ويغير منحى ومسار مجتمع ما ويطلق شرارة حركة جديدة ذات مدة طويلة ، ولقد دخلنا منذ عقد من الزمن ، وبشكل خفي عن الإدراك ، في حركة من هذا النوع.

ففي نهاية القرن 18 كانت الآلة البخارية ، من خلال إحداثها للثورة الصناعية ، قد غيرت وجه العالم : ظهور الرأسمالية وبروز طبقة العمال ، ميلاد الاشتراكية ، توسع الحركة الاستعمارية . . . الخ . بيد أن هذه الآلة في نهاية المطاف لم تكن إلا بديلا عن العضلات.

وباعتبار أن الحاسوب يطمح لتعويض المخ أو الذهن ، فإنه في طريقه ، وتحت أبصارنا ، لإحداث تحولات أكبر وأعمق وبشكل غير مسبوق .إن كل واحد منا يعاين بالفعل أن كل شيء تغير من حوله فعلا : السياق الاقتصادي ، المعطيات الاجتماعية ، المعايير الثقافية والسلوكات الفردية.

إن تكنولوجيا الإعلام والاتصال والثورة الرقمية أيضا تدخلنا ، على الرغم منا ، في عصر جديد تتمثل سمته الأساس في النقل الفوري واللحظي للمعطيات اللامادية ، وفي انتشار الروابط والشبكات الإلكترونية. إن الأنترنيت يشكل القلب من هذه التطورات وملتقى الطرق وكذا التركيب للتحول الكبير الذي يجري من حولنا الآن . إن الطرق السيارة للاتصال هي في الحقبة الراهنة ما كانته الخطوط الحديدية في العصر الصناعي : عوامل قوية للدفع وتكثيف المبادلات.

إن العديد من البورصويين المضاربين ، يتذكرون بفعل مقارنات مثل هاته في الذهن : أن المزايا الاقتصادية لنظام النقل تتعاظم من خلال قفزات مفاجئة عندما يتم إنجاز روابط معينة ، وأنه في سنوات 1840 شكل بناء الخطوط الحديدية لوحده القلب النابض والأكثر أهمية للنمو الصناعي بأوربا الغربية (1). إن الرأسماليين الجدد يراهنون إذن على النمو الفائق والدليلي ، في مرحلة الإقلاع هاته ، لكل النشاطات المرتبطة بالطرق السيارة الافتراضية ، لتكنولوجيات الشبكات والأنترنيت ، وهذا هو ما يدعى الاقتصاد الجديد . ويظل عديد من المستثمرين مقتنعين بأنه في لحظة التحولات الأسرع هاته ستكون المقاولات في كل مكان ، وعلى الأخص مكرهة بغرض التكيف والتلاؤم ، على الإنفاق أكثر على التجهيزات الإعلامية وأدوات الاتصال والشبكات . . . الخ . إن آفاق النمو تبدو هائلة ؛ ففي السنوات الثلاث الأخيرة بفرنسا ، اشترى أكثر من 10 ملايين شخصا تليفونات نقالة ، وتضاعف معدل التزود بالحواسيب .

ويتم اعتبار أن على عدد مستعملي الأنترنيت المقدر بـ 142 مليون شخصا سنة 1998 أن يقارب انطلاقا من الآن إلى حدود سنة 2003 رقم 500 مليون شخصا . . . وستشهد المعركة المستقبلية الكبرى مواجهة في ما بين المقاولات الأمريكية والأوربية واليابانية من أجل السيطرة على الشبكات وعلى سوق الصور والمعطيات والصوت وألعاب التزجية والترويح عن النفس ، وباختصار على المضامين ، وأيضا ، وربما بالخصوص ، من أجل فرض الذات في ميدان التجارة الإلكترونية. لقد تحول الأنترنيت إلى معرض تجاري شاسع ، إن التجارة الإلكترونية التي حققت في مرحلتها الجنينية بالكاد سنة 1998 رقم 8 ملايير دولارا، ينتظر أن تقارب 40 مليار دولارا سنة 2000 وتتجاوز 80 مليارا من الدولارات سنة 2002 .

إن فيالق المستثمرين ( قدماء وجددا ) الذين ركبتهم حمى بحبوحة العيش الحارقة ، والحالمين بالكنز السهل والمشجعين في غالبيتهم من قبل وسائل الإعلام ، يتهافتون تقريبا على البورصات كما لم يفعل ذلك الباحثون عن الذهب في الإلدورادو . ومن ثمة فإن أسعار بعض القيم المرتبطة بمجرة الأنترنيت انفجرت ؛ فقد رأت عشرة من الشركات في السنة الماضية قيم أسهمها وهي تتضاعف 100 مرة ، أما شركات أخرى مثل أمريكا على الخط American on line  فحققت أفضل من ذلك : فقد تضاعفت قيمها منذ سنة 1992 ب 800 مرة.

إن مدخرا استثمر فقط يوم دخوله البورصة 1000 دولارا في أسهم كل واحدة من كبريات شركات الأنترنيت ( Yahoo, Aol, Amazon, Athom, Ebay ) كان بإمكانه أن يربح منذ 9 أبريل 1991 مليونا من الدولارات .وقد أعلن مؤشر ناسداك ( البورصة التي يتم فيها تبادل غالبية قيم التكنولوجيات العالية الدقة بنيويورك ) بالنسبة لسنة 1999 عن ربح مقدر ب 85,6 % ، وحتى إذا كان هذا المؤشر قد عرف في مارس 2000 تراجعا دالا ، فإن ارتفاعه منذ بداية السنة ظل أعلى من نسبة 20 % .

إلا أن الاغتناء السريع وبدون عمل يتأسس على سراب ؛ ففي الولايات المتحدة ، ورغم الاغتناء الشمولي ، فإن الفوارق تستمر في التعاظم بشكل مفارق ، وقد بلغت هذه الفوارق مستويات لم تبلغها منذ الأزمة الكبرى . إن الازدهار الناجم عن الاقتصاد الجديد يبدو بالغ الهشاشة مما يذكرنا بالازدهار الاقتصادي الأعظم في العشرينيات ، عندما كان التضخم على غرار ما يحدث اليوم ضعيفا والإنتاجية مرتفعة ، إلى حد أن البعض جرؤ على الحديث عن خطر الإفلاس وتذكيرنا بأطياف أزمة 1929 . . (2).

إن 25 % فقط من مقاولات اقتصاد الأنترنيت ينتظر أن يبقى على قيد الحياة على المدى المتوسط ، وهناك سلطات مالية عليا لا تتردد في تنبيه المدخرين قائلة : عليكم بالحذر إزاء سندات وأسهم مقاولات الأنترنيت ، كما أكد ذلك على سبيل المثال السيد أرنو ويلينك ، رئيس البنك المركزي للبلدان المنخفضة ، والذي يشبه المتعاملين بجياد حمقاء مسعورة يركض كل منها وراء الآخر بحثا عن منجم ذهبي (3).

لقد قيل عن الثورات السياسية بأنها تلتهم أبناءها ، والثورات الاقتصادية تفعل نفس الشيء.

+++++++++++++++++++

هوامش :

(1)   دافيد س . لاند “أوربا التقنية” جاليمار ، باريس ، 1975 ، ص: 214.

(2)   بيزنس ويك ، 14 فبراير 2000.

(3)   لوموند ، 12 مارس 2000.